“اللمبي”

ليلة شم النسيم ، في عادة توقفت منذ سنوات طويلة ، كنا في بورسعيد نستعد لهذه الليلة قبلها بأسابيع ..
بيجاما قديمة ، قش ، ورق ، نشارة وطبعاً جركن جاز!!

وفي كل تقاطع ، يقوم أطفال وشباب الحي بعمل دائرة كبيرة من النار.. وربما أشعلوا ناراً صغيرة أولاً على سبيل التجربة وسموها “أول علامة” للتحايل على رجال الاطفاء ، فيقوم رجال الإطفاء بإطفاء هذه النيران وعدم العودة لهذا المكان ظناً منهم أنهم نجحوا في إخمادها .. ولكن ، هيهات!

ثم تتبارى كل مجموعة بحجم النيران التي توقدها وإلي أي ارتفاع تصل ألسنة اللهب…

وتختتم هذه الطقوس بحرق “اللمبي” وهو دمية مصنوعة من ملابس قديمة ومملوءة بالقش ونشارة الخشب وهم ينشدون النشيد الشهير “يا المبي يا ابن المبوحة”

وكان الخطاط البورسعيدي الأشهر “خضير البورسعيدي” ينظم احتفالاً خاصاّ أمام محله بحي العرب ويتهافت الناس كل عام لرؤية إبداعاته… حيث كانت دمى “اللمبي” التي يقوم بصناعتها تحكي قصة أو لها إسقاط سياسي أو تسخر من موقف كروي معين…

فما هو أصل “اللمبي”؟!

اللورد ادموند اللنبي Edmund Henry Hynman Allenby هو قائد قوة التجريدة المصرية (Egyptian Expeditionary Force) وهي تشكيل عسكري بريطاني تأسس في مارس ١٩١٦ ثم ترأسه اللورد “اللنبي” في يونيو ١٩١٧ والتي هاجم بها الدولة العثمانية في غزة إبان الحرب العالمية الأولى ، كما اشتهر بدعمه لــ “لورانس العرب” أثناء الحرب ضد الدولة العثمانية في الحجاز ..

تم تعينه فيما بعد “المندوب السامي البريطاني” على مصر وكان من ضمن مظاهر ظلمه إلقاء القبض على سعد زغلول عقب اندلاع ثورة ١٩١٩ ونفيه للخارج مع ثلاثة من زملائه إلي جزيرة “مالطا” عن طريق بورسعيد في مارس من نفس العام ..

وعندما خرج أهل بورسعيد لوداع سعد زغلول ، منعهم البوليس بأمر من اللنبي فاشتبك الناس مع الإنجليز واستشهد في هذه الاشتباكات 7 شهداء إلي جانب مئات من المصابين ..

فصنع أهل المدينة دمية كبيرة من القش تشبه “اللنبي” وحرقوها في شارع محمد علي تعبيراً على الاحتجاج ورفض الظلم ..

وفي عام ١٩٢٥ قررت بريطانيا سحب مندوبها السامي “اللورد اللنبي” من مصر ومغادرتها على سفينة تبحر من بورسعيد.. فما كان من أهل المدينة الباسلة إلا أن قاموا بعمل دمية كبيرة على شكل “اللنبي” وكتبوا عليها اسمه وألبسوها ثيابه العسكرية وقاموا بحرقها في نار كبيرة قيل أنه رأها من على ظهر السفينة أثناء مغادرتها الميناء ..

ومنذ ذلك الحين ، أصبح حرق “اللنبي” عادة بورسعيدية ثم تحوّر الاسم ليصبح “اللمبي” ثم توقفت هذه العادة بعد أن تم مد شبكة الغاز أسفل شوارع المدينة في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات ..

المصادر:
– ويكيبيديا
– “تاريخ بورسعيد” للمؤرخ ضياء الدين القاضى
– ذكريات الصبا 😊

#وسام_يسري

Leave a comment

Website Powered by WordPress.com.

Up ↑